فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أبو البقاء: {في يتامى النِّساء} أي: في اليتَامَى مِنْهُنَّ وهذا تَفْسِيرُ معنى لا إعْرَابٍ.
والجُمْهُور على {يَتَامَى} جمع: يَتيمَة.
وقرأ أبو عَبْد الله المَدَنِي: {ييامى} بياءيْن مِنْ تَحْتُ، وخرَّجه ابن جِنِّي: على أن الأصْل أيامَى فأبْدَلَ من الهَمْزَة ياءً، كما قَالُوا: فلانٌ ابنُ أعْصُر ويَعْصُر، والهَمْزَةُ أصلٌ، سُمِّي بذلك لقوله: [الكامل]
أبُنَيَّ إنَّ أبَاكَ غَيَّرَ لَوْنَهُ ** كَرُّ اللَّيَالِي واخْتِلاَفُ الأعْصُرِ

وهم يُبْدِلُون الهَمْزة من اليَاء، كقولهم: قَطَع الله أدَهُ يريدون: يدَهُ، فلذلك يُبْدِلون منها اليَاءَ، وأيامى: جَمْع أيِّم بوزن: فَيْعِل، ثم كُسِّر على أيَايِم، كسيِّد وسَيَايِد، ثم قُلِبَتِ اللاَّم إلى مَوْضِع العَيْنِ، والعَيْن إلى مَوْضِعِ اللاَّم، فصار اللَّفْظ أيامى ثم قُلِبت الكَسْرَةُ فتحةً؛ لِخفَّتِها، فتحركت الياءُ وانفتح ما قَبْلَها، فقلبت ألفًا؛ فصار: أيامى فوزنه فَيَالِع.
وقال أبو الفَتْحِ أيضًا: ولو قيل إنه كُسِّر أيِّمٌ على فَعْلَى، كسَكْرَى، ثم كُسِّر ثانيًا على «أيامى» لكان وجهًا حسنًا، وسيأتي تَحْقيق هذه اللَّفْظَةِ إن شاءالله تعالى عند قوله: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} [النور: 32].
وقرئ: {ما كَتَبَ اللَّهُ لَهُنَّ} بتسمية الفَاعِلِ.
قوله: {وتَرْغبون} فيه أوْجُه:
أحدُها:- وهو الظاهر- أنه مَعْطُوفٌ على الصِّلةِ، عطف جملةٍ مُثْبَتةٍ على جُمْلةٍ منفية، أي: اللاَّتي لا تُؤتُونَهُنَّ، واللاتي ترغبُون أن تَنْكحوهُنَّ؛ كقولك: «جاء الَّذِي لا يَبْخَلُ، ويُكْرِم الضِّيفَان».
والثاني: أنه مَعْطُوفٌ على الفَعْلِ المَنْفِيِّ بـ «لا» أي: لا تؤتُونَهُن ولا تَرْغَبُون.
والثالث: أنه حَالٌ من فاعِل {تؤتونهن} أي: لا تؤتُونَهُنَّ، وأنتم رَاغِبُون فِي نِكاحِهِنَّ، ذكر هذين الوجْهَيْن أبو البقاء، وفيهما نَظَر: أمّا الأولُ: فلخلافِ الظَّاهِر، وأما الثَّانِي: فلأنه مُضَارع فلا تَدْخُل عليه الواوُ إلا بِتَأويلٍ لا حَاجَة لنا بِهِ هَهُنَا.
و{أن تَنْكِحُوهُنَّ} على حَذْفِ حَرْفِ الجَرِّ، ففيه الخلاف المَشْهُور: أهي في محل نَصْب أم جر؟ واختُلِفَ في تَقْدير حرف الجَرِّ.
قوله: {والمستضعفين} فيه ثلاثة أوْجُه:
أظهرُهَا:- أنه مَعْطُوفٌ على {يَتَامَى النِّسَاء} أي: ما يُتْلَى عَلَيْكُم في يَتَامَى النِّسَاء وفي المُسْتَضْعَفِين.
والثَّاني: أنَّه في مَحَلِّ جر، عَطْفًا على الضَّمِير في {فيهن}؛ وهذا رأيٌ كوفِيّ.
والثالث: أنه مَنْصُوبٌ عطفًا على مَوْضِع {فيهن} أي: ويبيِّن حال المستضعفين.
قال أبو البقاء: «وهذا التَّقْدِيرُ يَدْخُلُ في مَذْهَب البَصريِّين مِنْ غيرِ كَلَفَةٍ» يعني: أنه خَيْرٌ من مَذْهَب الكُوفيين، حيث يُعْطَفُ على الضَّمِير المَجْرُور مِنْ غَيْرِ إعادَةِ الجَارِّ.
قوله: {وأنْ تقوموا} فيه خَمْسَةُ أوجه:
الثلاثة المتقدمة قَبْله، فيكون هو كَذَلِك لِعطْفِه على ما قَبْلَه، والمتلوُّ عليهم في هذا المَعْنَى قوله: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2].
والرابع: النَّصْبُ بإضمار فعل.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: ويجوزُ أنْ يكون مَنْصُوبًا بإضْمار يأمُرُكُم، بمعنى: ويأمركم أن تقُومُوا، وهو خِطَابٌ للأئمة بأنْ يَنْظُروا إليْهِم، ويَسْتَوْفُوا لهم حُقُوقَهم، ولا يَدَعُوا أحدًا يَهْتَضِمُ جَانِبَهُم، فهذا الوَجْه من النَّصْب غيرُ الوَجْهِ المذْكُور قَبْلَه.
والخامس: أنه مُبْتدأ، وخبره مَحْذُوفٌ، أي: وقيامُكم لليتامَى بالقِسْطِ خيرٌ لَكُم، وأولُ الأوجُهِ أوجَهُ، والمعنى: أن تقوموا لليتَامَى بالقِسْطِ، أي: بالعَدْل فِي مُهُورِهِن، ومواريثهِن. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {ويستفتونك في النساء...} الآية. قال كان أهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر، ولا يورثون المرأة. فلما كان الإسلام قال: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب} في أوّل السورة في الفرائض.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ أن يقوم في المال ويعمل فيه، ولا يرث الصغير ولا المرأة شيئًا، فلما نزلت المواريث في سورة النساء شق ذلك على الناس، وقالوا: أيرث الصغير الذي لا يقوم في المال، والمرأة التي هي كذلك، فيرثان كما يرث الرجل؟ فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء، فانتظروا فلما رأوا أنه لا يأتي حدث قالوا: لئن تم هذا إنه لواجب ما عنه بد، ثم قالوا: سلوا... فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب} في أول السورة، في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن. قال سعيد ابن جبير: وكان الولي إذا كانت المرأة ذات جمال ومال رغب فيها ونكحها واستأثر بها، وإذا لم تكن ذات جمال ومال أنكحها ولم ينكحها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان شيئًا، كانوا يقولون: لا يغزون ولا يغنمون خيرًا، ففرض الله لهن الميراث حقًا واجبًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن إبراهيم في الآية قال: كانوا إذا كانت الجارية يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها، وحبسوها من التزويج حتى تموت فيرثوها، فأنزل الله هذا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: كانت اليتيمة تكون في حجر الرجل فيرغب أن ينكحها ولا يعطيها مالها رجاء أن تموت فيرثها، وإن مات لها حميم لم تعط من الميراث شيئًا، وكان ذلك في الجاهلية، فبين الله لهم ذلك، وكانوا لا يورثون الصغير والضعيف شيئًا، فأمر الله أن يعطى نصيبه من الميراث.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: كان جابر بن عبدالله له ابنة عم عمياء، وكانت دميمة، وكانت قد ورثت من أبيها مالًا، فكان جابر يرغب عن نكاحها ولا ينكحها رهبة أن يذهب الزوج بمالها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكان ناس في حجورهم جوار أيضًا مثل ذلك، فأنزل الله فيهم هذا.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق السدي عن أبي مالك في قوله: {وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهم ما كتب لهم وترغبون أن تنكحوهن} قال: كانت المرأة إذا كانت عند ولي يرغب عن حسنها لم يتزوّجها ولم يترك أحدًا يتزوّجها {والمستضعفين من الولدان} قال: كانوا لا يورثون إلا الأكبر فالأكبر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير في قوله: {وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء} قال: ما يتلى عليكم في أول السورة من المواريث، وكانوا لا يورثون امرأة ولا صبيًا حتى يحتلم.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عائشة في قوله: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن} إلى قوله: {وترغبون أن تنكحوهن} قالت: هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووراثها قد شركته في ماله حتى في العذق، فيرغب أن ينكحها، ويكره أن يزوّجها رجلًا فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها، فنزلت هذه الآية.
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم عن عائشة قالت: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن، فأنزل الله: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء} قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب، الآية الأولى التي قال الله: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} قالت: وقول الله: {وترغبون أن تنكحوهن} رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه، فإذا فعل ذلك لم يقدر أحد أن يتزوّجها أبدًا، فإن كانت جميلة وهويها تزوّجها وأكل مالها، وإن كانت دميمة منعها الرجال أبدًا حتى تموت، فإذا ماتت ورثها فحرم الله ذلك ونهى عنه، وكانوا لا يورثون الصغار ولا البنات وذلك قوله: {لا تؤتونهن ما كتب لهن} فنهى الله عنه، وبيَّن لكل ذي سهم سهمه، صغيرًا كان أو كبيرًا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: كانت اليتيمة تكون في حجر الرجل فيها دمامة، فيرغب عنها أن ينكحها، ولا ينكحها رغبة في مالها.
وأخرج القاضي إسماعيل في أحكام القرآن عن عبد الملك بن محمد بن حزم. أن عمرة بنت حزم كانت تحت سعد بن الربيع فقتل عنها بأحد، وكان له منها ابنة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تطلب ميراث ابنتها، ففيها نزلت {ويستفتونك في النساء...} الآية.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن عون عن الحسن وابن سيرين في هذه الآية قال أحدهما: ترغبون فيهن، وقال الآخر: ترغبون عنهن.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن في قوله: {وترغبون أن تنكحوهن} قال: ترعبون عنهن.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عبيدة {وترغبون أن تنكحوهن} قال: ترغبون عنهن. اهـ.

.تفسير الآية رقم (128):

قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما صاروا يعطفون اليتامى أموالهم، وصاروا يتزوجون ذوات الأموال منهن ويضاجرون بعضهن؛ عقب ذلك تعالى بالإفتاء في أحوال المشاققة بين الأزواج فقال: {وإن امرأة} أي واحدة أو على ضرائر.
ولما كان ظن المكروه مخوفًا قال: {خافت} أي توقعت وظنت بما يظهر لها من القرائن {من بعلها نشوزًا} أي ترفعًا بما ترى من استهانته لها بمنع حقوقها أو إساءة صحبتها {أو إعراضًا} عنها بقلبه بأن لا ترى من محادثته ومؤانسته ومجامعته ما كانت ترى قبل ذلك، تخشى أن يجر إلى الفراق وإن كان متكلفًا لملاطفتها بقوله وفعله {فلا جناح} أي حرج وميل {عليهما أن يصلحا} أي يوقع الزوجان {بينهما} تصالحًا ومصالحة، هذا على قراءة الجماعة، وعلى قراءة الكوفيين بضم الياء وإسكان الصاد وكسر اللام التقدير: إصلاحًا، لكنه لما كان المأمور به يحصل بأقل ما يقع عليه اسم الصلح بنى المصدر على غير هذين الفعلين فقال مجردًا له: {صلحًا} بأن تلين هي بترك بعض المهر أو بعض القسم أو نحو ذلك، وأن يلين لها هو بإحسان العشرة في مقابلة ذلك.
ولما كان التقدير: ولا حناح عليهما أن يتفارقا على وجه العدل، عطف عليه قوله: {والصلح} أي بترك كل منهما حقه أو بعض حقه {خير} أي المفارقة التي أشارت إليها الجملة المطوية لأن الصلح مبناه الإحسان الكامل بالرضى من الجانبين، والمفارقة مبناها العدل الذي يلزمه في الأغلب غيظ أحدهما وإن كانت مشاركة للصلح في الخير، لكنها مفضولة، وتخصيصُ المفارقة بالطي لأن مبنى السورة على المواصلة.